بقلم / رئيس التحرير أ. خالد صادق
يعتقد الاحتلال الصهيوني انه يستطيع من خلال استخدام سياسة العقاب الجماعي، واغلاق المعابر والعودة للاغتيالات والقصف العشوائي ان يجبر المقاومة الفلسطينية على التراجع عن شروطها، والقبول بشروط الاحتلال بتمديد الجولة الأولى من التهدئة بنفس الشروط التي حددتها الجولة الأولى، دون الانتقال للمرحلة الثانية من المفاوضات والتي نص عليها الاتفاق الذي وقعت عليه "إسرائيل" والقاضي بانسحاب كامل للجيش الصهيوني من قطاع غزة، وإعلان وقف الحرب الصهيونية على القطاع، والبدء بإدخال المواد اللازمة للإعمار والمعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض, وإخراج الشهداء من تحت الأنقاض, الاحتلال يتعنت ويصر على الضغط على المقاومة من خلال تضييق الخناق على الفلسطينيين, وخلق حالة من الفوضى واللااستقرار في قطاع غزة, وقد استعان الاحتلال الصهيوني بالإدارة الامريكية من اجل هذا الهدف, وكعادتها أمريكا دائما أعطت إسرائيل الحق بالعودة الى الحرب على غزة في الوقت الذي تشاء, وتعهدت بتقديم كل اشكال الدعم العسكري والسياسي والتعاون الأمني والتكنولوجي مع الكيان الصهيوني المجرم, ولم يعبأ نتنياهو بالرعاية الامريكية لهذا الاتفاق, ولا بالوسطاء الذين يبذلون جهود كبيرة وحثيثة لأجل التغلب على العقبات وعدم العودة للحرب مرة أخرى, نتنياهو يتذرع هذه المرة بان الاتفاق الذي وقع عليه جاء في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن, وان الاتفاق لم يعد صالحا الان, ويجب التوقيع على اتفاق جديد في عهد ترامب, يقوم على أساس احتفاظ إسرائيل بوجودها في عدة مناطق في القطاع وعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا, وسيطرتها الأمنية على قطاع غزة, وتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها, وعدم عودة حماس بأي شكل من الاشكال لحكم قطاع غزة وترحيل قيادة المقاومة للخارج.
منطق الاستعلاء والتكبر والعنجهية ردت عليه المقاومة سريعا بأنها لا تقبل بشروط "إسرائيل" وانها مصرة على المضي في الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بمراحله الثلاثة دون تغيير, وان الوسطاء والرعاة لهذا الاتفاق مطلوب منهم العمل على تنفيذه, والإدارة الامريكية التي رعت هذا الاتفاق يقع عليها المسؤولية الأكبر لأجل الضغط على "إسرائيل" للتقيد بشروط الاتفاق, لا تسهيل تنصلها من تلك الالتزامات التي وقعت عليها سابقا, والغريب العجيب ان "إسرائيل" عندما وقعت على الاتفاق اعتبرته نصرا لها, ولكن يبدو ان نتنياهو, كان يخطط لتنفيذ المرحلة الأولى فقط من اتفاق غزة, ثم يعيد فرض شروطه على المقاومة من جديد, فاذا ما نجح في ذلك فهو سيحقق المأمول, وان لم ينجح فسيعود للحرب مرة أخرى, متوعدا ان يكون العدوان اشد واعنف, وان الجيش سيتحكم في المساعدات الانسانية وسيشرف عليها, وانه لن تكون هناك اية خطوط حمراء امام الجيش اذا ما اججت الحرب مجددا, مسترشدا بتصريحات ترامب الذي قال انه سيدعم "إسرائيل" بل حدود وسيؤيد خطواتها في حال عادت للقتال في قطاع غزة, وامام هذا الفكر الصهيوامريكي المتطرف, أعلنت المقاومة الفلسطينية رفضها لكل هذه التهديدات, ودعت الى مواقف عربية حقيقية خلال القمة العربية القادمة التي من المفترض ان تعقد في الرابع من مارس الحالي, والتي حددت لمناقشة القضية الفلسطينية فقط, واحباط مخطط التهجير لسكان الضفة والقطاع, وإعادة اعمار وفق مدة زمنية محددة, ورفض التلويح بالعودة للعدوان على قطاع غزة, والذي اصبح سيفا مسلطا على رقاب الغزيين لأجل تهجيرهم من ارضهم, وطردهم منها بالقوة, فلا هجرة طوعية للغزيين, لان "إسرائيل, تقتل كل اشكال الحياة في القطاع لإجبار سكانه على الهجرة منه قسرا.
ومع انتهاء المدة الزمنية للتهدئة, بدأ الاحتلال بشن حرب نفسية على سكان قطاع غزة الذين لم يستقروا بعد في المناطق التي عادوا اليها مؤخرا, وتلويح "إسرائيل" بالعودة للحرب بشكل اعنف واشد, بدأ الناس يتواجدون في الأسواق والمحلات لجلب ما يلزمهم من ضروريات الحياة خاصة وانهم يحيون أيام شهر رمضان المعظم, وكأن الناس باتوا يتوقعون كل شيء بعد ان اجتاز الاحتلال الصهيوني كل الخطوط الحمراء في عدوانه على قطاع غزة, وفي استخدامه لكل أدوات القتل والأسلحة المحرمة دوليا, لقد كانت التجربة قاسية الى ابعد الحدود, وكان الخذلان العربي والإسلامي والدولي كبير, صحيح ان الغزيين لم يستقروا بعد في أماكنهم التي عادوا اليها, نظرا لحجم الدمار الهائل الذي خلفة الاحتلال الصهيوني وراؤه, لكن من الصعب تهجير الفلسطينيين من مدنهم ومخيماتهم التي عادوا اليها بصعوبة بالغة وبعد معاناة كبيرة, فالغزيين رغم عدم وجود حياة في المناطق التي عادوا اليها, حيث يفتقدون الماء والغذاء والكهرباء والمستشفيات, ويتنقلون لمسافات طويلة مشيا على الاقدام للحصول عليها, الا انهم اقلموا انفسهم على العيش فوق انقاض منازلهم, ونصبوا خيامهم فوق تلك الأنقاض او على مقربة منها, او استصلحوا جزءا من بيتهم المنهار للعيش فيه لأجل إفشال مخطط التهجير, واحباط اهداف العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية التي شنها على قطاع غزة, فالضربة التي لا تقتلهم تقويهم, والموت لم يعد رادعا للغزيين لأجل اقناعهم بالاستسلام, والقبول بشروط الاحتلال, والخضوع له, "إسرائيل" لن تحقق النصر بالعودة للقتال مرة أخرى في قطاع غزة, وعليها ان تتعلم من تجاربها السابقة في غزة ولبنان, قد يسقط المزيد من الضحايا, وقد يجوع الشعب ويعاني اشد المعاناة, لكنه لن يستسلم ابدا, هكذا عرفناه.
التعليقات : 0